لقد لقي الشيخ العربي التبسي في جولاته بالمشرق بعض قيادات الإخوان المسلمين بمصر، ولاحظ منهم التهور والتسرع واستعمال العنف في مخاطبة حكومتهم، فنصح لهم وحذرهم من مغبة سلوك هذا المنهج، وأرشدهم إلى الصبر والتأني والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وبقي مصرا على تكرير نصحه رغم قلة الموافقين له وكثرة المخالفين، أخبرنا الشيخ رحمه الله بذلك فيما سطره بيده وأرسله نصيحة وتوجيها لأحد تلاميذه في (26 أفريل 1955م) فقال: « ولا يفوتنا هنا أن أنصحكم بما أعتقد أنه نصيحة، هذه النصيحة هي أنكم إذا تناولتم الحديث عما جرى في مصر للجماعة فلا تتعمد وصف أولى الأمر بمصر بما وصفتهم به في كتابك من البكباشية الظالمين، ومن كونهم ممن أمهلهم الله لا ممن يهمل الانتقام منهم إلى آخر ما كتبته في هذه النقطة، فإن هذا الأسلوب، وهذه اللغة هي التي فيما أعتقد جلبت الكراهة والابتلاء على الحركة، إذ كان إخواننا الذين اجتمعت بهم من قادة الحركة مثل عبد الحكيم عابدين وسعيد رمضان وغيرهم، كانوا يركبون مثل هذه الألفاظ وأوجع منها في شأن أولي أمرهم، ولا يتعففون عن قواذع ومحرمات بعض الألفاظ، ويرمونهم ببعض الجرائم التي ما أذن الله لأحد أن يرمي بها مسلما إلا إذا ثبتت بشهودها، سمعت مثل هذا في جدة، وفي دمشق، في مناسبات لا تحصى، وكنت على ضعف بضاعتي العلمية والبيانية لا أبخل عليهم برأي ربما أراه يبقي على الحركة ويقويها، ويهيئ لها النجاح والسلامة، وكنت لا أجد في الإخوان معينا لي على تلك النصائح، ما خلا الأستاذ المؤرخ دروزة. فقد أبصر من قريب أو من بعيد العواقب الوخيمة التي تنشأ عن موقف الإخوان، وآخر مجلس لي معهم كان بحضور الأستاذ الباقعة قائد جماعة الأخوة الإسلامية بالعراق الصواف، وكان هذا المجلس بالعين الخضراء على مائدة سفير سوريا اليوم بالأفغان، وقد جمع ذلك المجلس شخصيات كبيرة من مختلف أقطار الشعوب الإسلامية، كان فيهم اللبناني والشامي والعراقي والمراكشي والجزائري، وقلت لهم فيما قلت: إنّها حكومتكم وإنه لا يحل لكم أن تنزعوا أيديكم منها، وإنّكم إلى هذه الساعة لم تتكامل قوتكم، ولم ينتشر وجودكم انتشارا يجعلكم على وضعية عامة، …كل هذه الأقوال وأمثالها نصحتهم بها، فما وجدت نصيحتي من يسمعها. أسوق لك بعضا مما قلته لله ونصيحة كتبت علينا …كي تحمي لسانك وقلمك ومجلسك إن قدرت على الهجوم على الحكومات بمثل ذلك الأسلوب الذي يهيج الحكومات ويسيء ظنها بالحركات، وتسلّ عليها سيوف المقاومة، وليس ذلك من مصلحة الحركة في عامة ظروفها، فكيف بخاص ظروفها، ظروف فقدها كثير من قوتها المادية والأدبية في الكمية أو الكيفية.
لا تنس يا بني أن الحق في هذا العصر محتاج في انتصاره على الباطل إلى أن يكون أقوى من الباطل، ومزود بجميع الوسائل التي حازها الباطل، وله من السمعة والانتشار ما يعينه على مقاومة الباطل، وشاهِد هذا رسول رب العلمين محمد صلى الله عليه وسلم، كونه في العصر المكي الذي كان لا يملك فيه من القوات ما يملكه الباطل وأنصاره سلك مسلك المسالمة والموادعة والتجاوز عن المعاملين له بالقوة، كان يعاملهم بالإعراض وبإقامة الحجة وبالسلوك الحسن، فإذا كنا نحن اليوم وراثه بحق، وإذا كان الدعاة إلى الدين الحق ممثلين لسيرته، فما لنا ننسى هذا الطور الأول من أطوار ظهور ديننا، إن ما جرى لنبينا صلى الله عليه وسلم سيجري على أتباعه، فعليهم أن يسيروا وراءه سير المهتدين بهديه».
لا تنس يا بني أن الحق في هذا العصر محتاج في انتصاره على الباطل إلى أن يكون أقوى من الباطل، ومزود بجميع الوسائل التي حازها الباطل، وله من السمعة والانتشار ما يعينه على مقاومة الباطل، وشاهِد هذا رسول رب العلمين محمد صلى الله عليه وسلم، كونه في العصر المكي الذي كان لا يملك فيه من القوات ما يملكه الباطل وأنصاره سلك مسلك المسالمة والموادعة والتجاوز عن المعاملين له بالقوة، كان يعاملهم بالإعراض وبإقامة الحجة وبالسلوك الحسن، فإذا كنا نحن اليوم وراثه بحق، وإذا كان الدعاة إلى الدين الحق ممثلين لسيرته، فما لنا ننسى هذا الطور الأول من أطوار ظهور ديننا، إن ما جرى لنبينا صلى الله عليه وسلم سيجري على أتباعه، فعليهم أن يسيروا وراءه سير المهتدين بهديه».